من محمّد الإيمان إلى محمّد التاريخ . العفيف الأخضر

من محمّد الإيمان إلى محمّد التاريخ

العفيف الأخضر 

منشورات الجمل -  بغداد  2014   |   291  صفحة   |   4.33  م . ب


 


من الزيتونة إلى كلية الحقوق ثمّ من لبنان إلى باريس، يبدو أنّ كتاب “من محمّد الإيمان إلى محمّد التّاريخ” هو خلاصة و صفوة تجربة العفيف الأخضر الذي حاول أن يساهم في تسليط الضوء على أماكن يخشاها العديد من المفكّرين و الأكاديميين.
إنّ المرور من الرؤية التي تعلي نبيّ الإسلام و ترفعه إلى درجة التقديس إلى نظرة عقلانيّة تضعه على قدم المساواة مع جميع البشر، فاعلا و متفاعلا مع التاريخ هو ما طمح له العفيف من خلال هذا الكتاب. لذلك فإنّه حاول -على إمتداد صفحات طويلة – أن ينقلنا إلى الجانب الآخر من الوقائع التاريخيّة التي نعرفها، لا بل إنّه كشف – في مواضع مختلفة من الكتاب– عن مناطق ظلّت عصيّة عمن سبقه في هذا الموضوع. إنّ الحلّ – حسب مؤلّف ” إصلاح الإسلام ” – يكمن في القطع مع الميتاتاريخ ( و هو مصطلح إستخدمه هونري كوربان للتعبير عن مجموعة من الأحداث التاريخيّة المُخْتَزَلَة و التي لا تأخذ بعين الإعتبار تاريخ الشعوب ) فمنذ قرورن طويلة دأب أغلبية المسلمين على نمط واحد من التّفكير ومنهجيّة موحّدة في التّعامل مع مجموعة من الأحداث الأسطوريّة التي ترتبط بالشخصيّة المحمديّة. وهو ما أدّى إلى خلق هالة قدسية تدور حول النبي محمد والنص القرآني.
وهكذا فالرواية التي تقدمها السيرة، التي يلخصها هذان النص أفضل تلخيص، “هي في مجملها ميتاتاريخ. الميتاتاريخ يخضع التاريخ لحتمية لا تاريخية، أي للتدخل الرباني في التاريخ، هذا التدخل الإلهي الذي يرفع الأسلاف إلى مصاف الأبطال، إلى أنصاف آلهة، منزهين عن الوقوع في الخطأ والخطيئة. وهذا ما فعلوه بمحمد من المهد إلى اللحد، بل منذ أن كان جنيناً في رحم أمه! .هذه الرواية ارتفعت به، من شرطه البشري، إلى مقام المختارين، الذين رصدتهم الأقدار لتحمّل رسالة النبوة، حتى قبل أن يعلن هو نفسه نبياً. فهي إذن أبعد ما تكون عن التاريخ، أي الوقائع التي وقعت فعلاً أو كان يمكن منطقياً ان تقع.”
يشرح العفيف الأخضر في كتابه كيفيّة التعامل مع السيرة النبويّة “الرسميّة” و يؤكّد على ضرورة إستخدام العقل خاصّة فيما يتعلّق بتلك الأحداث التي يتداولها الجميع و رسخت في الأذهان مما أدّى إلى إنتشار عقليّة التقديس والتمسك بإتباع السلف في أدقّ التفاصيل.
إنّ الإيمان و التسليم بالمعجزات هو ما يؤدي إلى ما يسمّيه المفكر السّوري الرّاحل جورج طرابيشي “سبات العقل في الإسلام”. وقد جاء بحث العفيف  الأخضر في إطار نزع كلّ قداسة عن نبيّ الإسلام وصحابته. فشخصيّة النبيّ –التي تنقلها لنا كتب الموروث – تبدو متكاملة إلى أبعد الحدود لا بل تصل إلى درجة التّأليه. و قد حاول الكاتب التركيز على شخصيّة محمّد و تحليلها تحليلا علميا دقيقا مستعينا بعلم النفس. و قد بدأ بطفولته بتفاصيلها وصولا إلى فترة النبوّة و بداية تكوّن الديانة. يضعنا الكتاب أمام جوانب مظلمة من حياة الرسول، و يشير إلى الآثار التي خلفتها مجموعة من الحوادث المسكوت عنها في كتب التراث التي إكتسبت مع مرور الزمن هالة من القداسة مكنتها من أن تكون فوق كل نقد. إنّ دراسة الشخصية المحمديّة و تحليلها نفسيا هو بمثابة إقحامها مجددا في حركة التاريخ و ذلك بهدف القطع مع عقلية التقديس و الحث على إعمال العقل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الاستشراق الفرنسي والأدب العربي - احمد درويش pdf

المعتزلة .. النشأة والفكر وأسباب الضمور . حوار مع الدكتور محمد شقرون